قال الله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)} [سورة الصافات]، وقال تعالى:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)} [سورة النمل].
عَدَد المرات التي ذكر فيها لوط في القرءان الكريم
لوط عليه الصلاة والسلام هو من الأنبياء والرسل الكرام، وقد ذكره الله تبارك وتعالى في القرءانِ الكريم سَبْعًا وعشرين مرة، في الأعراف وهود والحِجر والشُّعراء والنمل وغيرها من سور القرءان، هذا وقد ذكرت قصته مع قومه مفصَّلة في بعض السور ومُجْمَلة في البعض الآخر.
نسبُهُ عليه السلام
هو لوط بن هاران بن تارح ـ يعني ءازر ـ وقد بَعَثه الله تعالى في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو ابن أخيه لأن هاران هو أخو إبراهيم وناحور. واسم لوط عجمي ليس عربيًّا وليس مشتقًا من اللواط لأن اللواط لفظ عربي تصريفه لاط يلوط لِواطًا أي فعل تلك الفاحشة، ولا يليق بمنصب الأنبياء أن يكون اسم أحدهم مشتقًا من لفظٍ معناه خبيث.
وقد صدَّقَ لوط بدعوة عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام واهتدى بهديه، قال الله تعالى في القرءان: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)} [سورة العنكبوت].
وقد هاجر لوط عليه السلام مع عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام من العراق وتبعه في جميع أسفاره ورحلاته، ثم بعثه الله تبارك وتعالى إلى أهل سدوم في الأردنِ قُربَ البحر الميت.
مُقدِمة عن قوم لوط الذين بُعِث وأرسل إليهم لوط عليه السلام
كان نبيُّ الله لوط عليه السلام قد نَزح عن محلة عمه إبراهيم الخليل بإذنه فنزل بمدينة سدوم كما أمره الله تعالى وهي في أطراف شرق الأردن قُرب البحر الميت، وكانت هذه المدينة لها قرى مضافة إليها.
وكان قوم سدوم من أكفر الناس وأفجرهم وأخبثهم طويّة وأقبحهم سيرة، فقد كانوا ذوي أخلاق رديئة ونفوس خبيثة لا يستحون من مُنكر ولا يتعففون عن معصية، وكانوا يقطعون السبيل على المسافرين ويأتون في ناديهم المنكر ولا يتناهون عن المنكرات فيما بينهم، وكانوا ابتدعوا جريمة نكراء وذنبًا شنيعًا اشتهروا به، لم يسبقهم إليه أحد من أهل الأرض وهي إتيان الذكور ـ أي اللواط ـ قال تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166} [سورة الشعراء].
ولقد كان قوم لوط من قساوة قلوبهم وفساد أخلاقهم يتجاهرون بفعل فاحشة اللواط ولا يستترون ولا يستحون، فلما بعث الله تعالى نبيَّهُ لوطًا إليهم دعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات والمنكرات وتلك الأفاعيل المستقبحة، ولكنهم استمروا على كفرهم وإشراكهم وتمادَوا في ضلالهم وطغيانهم وفي المجاهرة بفعل اللواط. وقيل: إن الذي حملهم على إتيان الرجال دون النساء أنهم كانت لهم بساتين وثمار في منازلهم وبساتين وثمار خارجة على ظهر الطريق وأنهم أصابهم قحط شديد وجوع فقال بعضهم لبعض: إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة عن أبناء السبيل والمسافرين كان لكم فيها معاش، فقالوا: كيف نَمْنَعُها؟ فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: اجعلوا سُنَّتكم ـ أي عادتكم وطريقتكم ـ فيها أنَّ من وجدتموه في بلادكم غريبًا فاسلبوه وانكحوه فإن الناس لا يَطَئون أرضكم، وزَيّن لهم الشيطان هذا الفعل الخبيث، فكانوا كذلك حتى بعث الله لهم لوطًا عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى عبادة الله وترك هذه المحرمات والفواحش، قال الله تبارك وتعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)} [سورة الشعراء]. ولكنهم تمادوا في غيِّهم وضلالهم ولم يزدهم وعظ نبيهم وأمره لهم بالمعروف ونهيُه لهم عن المنكر إلا تماديًا وتكبّرًا وطغيانًا واستعجالاً لعقاب الله إنكارًا منهم لوعيده وتكذيبًا منهم لنبيّ الله لوط عليه الصلاة والسلام،
فقد كانوا يقولون له: ائتنا بعذاب الله إن كُنتَ من الصادقين، ولم يكتفوا بهذا التكذيب والاستكبار بل أخذوا يهددونه بالطرد من قريتهم وهمُّوا بإخراج نبيّ الله من بين ظَهْرانيهم وهذا مُنتهى السَّفَه والعناد والتكبر، قال الله تبارك وتعالى :{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى :{قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} [سورة الشعراء].
قِصةُ الملائكة ضيوف لوط عليه السلام
أمام إصرار قوم لوط على كُفرهم وطغيانهم وانغماسهم في المنكرات والفواحش وعدم الإيمان بنبي الله لوط عليه السلام، سأل لوط عليه الصلاة والسلام ربَّه النُّصرة عليهم لما أصروا على كفرهم وتمادوا في غيّهم، قال تعالى حكاية عن نبيه لوط عليه السلام: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)} [سورة الشعراء]، وقال: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [سورة العنكبوت].
أراد الله تبارك وتعالى نصر نبيه لوط وإهلاك أُولئك الكفار الخبثاء فأَرسل الله عز وجل إلى قوم لوط ملائكة كِرامًا لإهلاكهم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ليقلبوا قراهم عاليها سافلها ويُنزلوا العذابَ بهم وكانت لهم مدائن أربع، وكان عددهم يزيد على أربعمائة ألف.
فمرّ هؤلاء الملائكة الكرام في طريقهم إلى قرى قوم لوط على إبراهيم الخليل عليه السلام بأمرِ اللهِ تعالى وكانوا قد تشكلوا بصورة رجال حِسان الوجوه فبشّروه بغلام حليم وهو إسحاق عليه السلام ومن وراء إسحاق يعقوب، وأخبروه أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط أهل سدوم وتوابعها وأنَّ الله أمرهم بإهلاك أهل هذه المدائن الذين كانوا يعملون الخبائث وتدميرها، وعندما سمع إبراهيم عليه السلام ما قال له الملائكة وما أُرسلوا به من العذاب تخوّفَ على ابن أخيه لوط عليه السلام أن يصيبه القلق فقال لهم: إنّ فيها لوطًا، فأخبروه بأنهم أعلم بمن فيها وأنّ الله عز وجل سيُنجي لوطًا وأهله إلا امرأته الكافرة التي لم تؤمن به وصارت تعين أولئك الكافرين على هذا العمل الخبيث، يَقُولُ الله تبارك وتعالى:{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)} [سورة الحجر] وقال تعالى :{ قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) إِلاَّ ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)} (سورة الحجر).
وقال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)} [سورة هود] قيل: إنّ سيدنا إبراهيم خليل الرحمن كان يرجو من قوم لوط أن يُجيبوا نبي الله لوطًا ويُسلموا ويُقْلعوا عن غيّهم وضلالهم، لذلك لما علم أن رسل الله الملائكة جاءوا لينزلوا العذاب بقوم لوط ويدمروا عليهم قراهم صار يُجادلهم في ذلك،
قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءاتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)} [سورة هود]، قيل: إن رسل الله الملائكةَ الكرام عندما سمعوا جدال إبراهيم في قوم لوط قالوا له {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} يعني الجدال {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} أي بعذابهم أي قد جاء عذاب ربك فليس بمردود لأن الله قد قضى به.
تنبيه: يظن بعض جهلة المتصوفة أن معنى أواه أن إبراهيم كان يذكر بآه وهذا غير صحيح، فإن الأواه من يُظهر خشيةَ الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهانيّ في المفردات، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: "الأوّاه: الرحيم" رواه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح.
خرجت الملائكةُ من عند نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام وتوجهوا نحو قرية سدوم وهي أكبر قرى قوم لوط في الأردن، وكانوا قد جاءوا بصور شبان جميلي الصورة اختبارًا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، ولمّا وصلوا القرية عند الظهيرة جاءوا إلى نبي الله لوط فدخلوا عليه في صورة شبان مُرد جميلين تشرق وجوههم بنضارة الشباب والجمال ولم يخبروه في البداية بحقيقتهم، فظن نبي الله لوط أنهم ضيوف جاءوا يستضيفونه فرحّب بهم وخَشِي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، ولكنه عليه الصلاة والسلام اغتمّ من دخولهم عليه وقت الظهيرة لأنه خاف عليهم من أولئك الأشرار المجرمين، ولا سيما أنهم كانوا من حيث الصُورة في منتهى الحسن والجمال، وخشي أن يكون قد رءاهم واحد من قومه حين دخلوا عليه فيذهب فيخبر قومه،
لذلك أشفق نبي الله لوط عليهم وخاف من قومه أن يعتدوا عليهم، قال الله تبارك وتعالى {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)} [سورة هود] أي شديد بلاؤه حيث كان يدرك خبث نفوس قومه وفسادَ طويتهم، وكان قومه عليه السلام قد اشترطوا عليه أنْ لا يُضيف أحدًا، ولكنه رأى أن استضافة من جاءه، أمرٌ لا مَحيد عنه خوفًا عليهم من شر قومه وفسادهم وشذوذهم.
وسُرعان ما حصل ما كان يخشاه إذ خرجت امرأته وكانت امرأةً كافرة خبيثة تتبعُ هوى قومها، فأخبرتْ قومها وقالت لهم: إنَّ في بيت لوط رجالاً ما رأيتُ مثل وجوههم قط، وما إن سمع قوم لوط الخبر حتى أقبلوا مُسرعين يهرعون إلى بيت نبي الله لوط عليه السلام يريدون الاعتداء على ضيوف لوط عليه السلام، وأخذ نبي الله لوط عليه السلام يجادل قومه المُفسدين بالحسنى ويناقشهم باللطف واللين لعلَّ فيهم من يَرتَدعُ عن غيه وضلاله، ودعاهم عليه السلام إلى سلوك الطريقة الشرعية المباحة وهي أن يتزوجوا بنات القرية وأن يكتفوا بنسائهم ولا يعتدوا.
ولكنَّ قومه الخُبثاء رَفَضوا نصيحته، وصارحوه بغرضهم السيء من غير استحياء ولا خجل وقالوا له: ما لنا في بناتك من حق ـ يريدون أنهم ليسوا في حاجة إلى بنات القرية ـ وأخبروه أنهم لا يرغبون إلا في أولئك الشبان الحسان الذين هم في بيته ضيوفًا. عند ذلك ازداد همُّه وغمُّه عليه الصلاة والسلام وتمنى أن لو كان له بهم قوة أو كان له منعة أو عشيرة في قومه فينصرونه عليهم.
يقولُ الله تبارك وتعالى: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)} [سورة هود]،
ويقال إنّ لوطًا عليه السلام كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وأخذ يناظر ويجادل قومه من وراء الباب وهم يعالجون الباب ليفتحوه، فلما رأت الملائكة ما يلقى نبي الله لوط عليه السلام من كربٍ شديد أخبروه بحقيقتهم وأنهم ليسوا بشرًا وإنما هم ملائكة ورسل الله قدموا وجاءوا لإهلاك هذه القرية بأمر من الله لأن أهلها كانوا ظالمين بكفرهم وفسادهم، وأمروه أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبل طلوع الصبح لأن موعد إهلاكهم سيكونُ في وقت الصبح، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عما قال الملائكة لنبيه لوط عليه السلام: {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
ويروى أنّ نبي الله لوطًا عليه الصلاة والسلام لما جَعَل يُمانع قومه أن يدخلوا بيته ويدافعهم والباب مغلق، وهم يَرومون ويُريدون فتحه، استأذن جبريلُ عليه السلام ربَّه في عقوبتهم فأذِن له، فخرج عليه السلام إليهم وضرَب وجوهَهم بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل: إنها غارت بالكلية ولم يبقَ لها محل ولا عين ولا أثر.
فانصرفوا يتحسسون الحيطان ويتوعدون ويُهددون نبيَّ اللهِ لوطًا عليه السلام، عند ذلك قال نبي الله للملائكة: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال لهم: لو أهلكتموهم الآن، فقالوا له: أليس الصبح بقريب، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38)} [سورة القمر].
هلاكُ قوم لوط وإنزال العذاب بهم
يقولُ الله تعالى حكاية عن ملائكته وما أخبروا به نبيه لوطًا عليه السلام: {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
أَمَرَ رُسُلُ الله الملائكة نبيَّ الله لوطًا أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبل طلوع الشمس، وأمروه بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما سينزل بقومه الكافرين من عذاب، وأن امرأته ستلتفت ويُصيبها ما أصاب قومَها، فقد ذُكر أنها لمّا خرجت مع زوجها لوط عليه السلام وسمعت صيحة العذاب وما نزل بقومها التفتت وقالت: "واقوماه" فأصابها حَجَرٌ فأهلكها مع الهالكين.
وجَاءَ قومَ لوط من أمر الله مَا لا يُرَدّ، ومن العذاب الشديد ما لا يُصد، يقولُ الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود].
لقد أَدْخَلَ جبريل عليه السلام الذي وصفه الله تبارك وتعالى في القرءان بقوله: {ذي قوة عند ذي العرش مكين} [سورة التكوير] ريشة واحدة من أجنحته في قراهم ومُدنهم وكانت أربعة أو خَمْسَة واقتلعهنّ من أصلهنّ وقرارهن بمن فيهن من قوم لوط الكافرين وكانوا كما قيل: أربعمائة ألف شخص، وما معهم من البهائم فرفع الجميعَ حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمع الملائكةُ الذين في السماء الأولى أصوات دَيَكَتِهِم ونُباح كلابهم، ثم قَلَبها عليهم فجعل عَاليَها سافلها أي لم يَردَّها كما كانت وإنما ردَّها مقلوبة بمشيئة الله وقدرته، من دون تعب ولا مشقة، وأرسل عليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل، يقول الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74)} [سورة الحجر]، ويقول تعالى في ءاية أخرى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود] أي يتبعُ بعضها بعضًا في نزولها عليهم من السماء قيل: أيْ مُعَلَّمَةً مكتوبًا على كلّ حجر اسمُ صاحبه الذي يهبط عليه ويقتله، ويقول تبارك وتعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ ءالاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)} [سورة النجم] والمؤتفكةُ هي قرى قوم لوط عليه السلام،
قيل: أي قلبها فأهوى بها مُنكّسة عاليها سافلها وغشاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة، وكانت مُسَوَّمَةً مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه، وما إن أشرقت الشمس حتى كانت القرى بمن فيها خرابًا ودمارًا يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [سورة هود].
زوجةُ لوط عليه السلام مع الهالكين
أهلك الله تبارك وتعالى زوجة نبيه لوط عليه الصلاة والسلام مع الهالكين لأنها كذبتْ نبيه لوطا عليه السلام ولم تؤمن به ولم تدخل في دين الإسلام، بل بقيتْ كافرةً مع قومها راضية بأفعالهم الخسيسة وصفاتهم المذمومة، فَحَلّ بها من السخَط والعذاب ما حلّ بقومها جزاء لها على كفرها وتعاطفها مع قومها، ولم ينفعها عند الله أنها كانت زوجةَ نبي الله لوط عليه السلام وهي باقيةٌ على الكفر والضلال، يقول الله جل وعلا في مُحكم تنزيله:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)} [سورة الأعراف]، ويقول عز من قائل: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} [سورة التحريم].
والمراد بالخيانة هنا الخيانة في الدين، فإنهما لم تتبعاهما في دين الإسلام، بل بقيتا على الكفر والضلال ولم ينفعهما أنهما زوجتا نبيين من أنبياء الله عظيمين وهما نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام،
وليس المراد بالخيانة هنا الزنى وأنهما كانتا على الفاحشة، ويروى عن ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف :"ما بغتْ ـ أي زنت ـ امرأة نبيّ قط". وقيل: إن اسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة"، روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} [سورة التحريم] قال: "ما زنتا، أما امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون، وأما امرأة لوط فكانت تدل على الضيف، فذلك خيانتهما".
وصف لوط عليه السلام
روى الحاكم في المستدرك عن كعب الأحبار قال: "كان لوط نبيَّ الله وكان ابن أخي ابراهيم، وكان رجلاً أبيض، حسنَ الوجه، دقيق الأنف، صغير الأذن، طويل الأصابع، جيد الثنايا، أحسن الناس إذا ضحك، وأحسنهم وأرزنهم وأحكمهم.