اعلم أرشدنا الله وإيَّاك أن الله سبحانه وتعالى خالق العالمَ بأسرهِ العلويّ والسفليّ والعرش والكرسيّ، وهو الأولُ أي الأزليّ الذي لا بداية لوجوده، كان في الأزلِ وحده ولم يكن شىءٌ من العوالم الكثيفة كالعرش والشمس والقمر والإنسان ولا من العوالم اللطيفة كالنور والظلام والأرواح فهو موجود لا كالموجودات ليس كخلقه جسمًا لطيفًا ولا جسمًا كثيفًا لقوله تعالى {ليس كمثله شىء} (سورة الشورى/11) وذلك لأنه لو كنا جسمًا كثيفًا لكان له أمثال ولو كان جسمًا لطيفًا لكان له أمثال وقد دلت هذه الآيةُ على ذلك وعلى أنّه لا يتصف بصفات العالمين كالحركة والسكون والتحول من حال الى حال والتحيز في جهة او مكان والجلوس والاستقرار في جهة وذلك لأن الجلوس صفة مشتركة بين الإنسان والملائكة والجنّ والطيور، فهو سبحانه وتعالى الموجود الأزليّ الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه حادث مخلوق خلقه الله بقدرته فأبرزه من العدم إلى الوجود، قال الله تبارك وتعالى: {اللهُ خالقُ كل شىء وهو على كلّ شىء وكيل} (سورة الزمر/62)، وقال سبحانه: {وخلقَ كل شىء فقدره تقديرًا} (سورة الفرقان/2)، وقال تعالى: {الحمدُ لله الذي خلق السموات والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنور} (سورة الأنعام/1)، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآية بأنه لم يكن في الأزلِ نور ولا ظلام فوجب الإيمانُ بأنه مضى وقت لم يكن فيه نور ولا ظلام فيجب الإيمان بذلك مع أنّ وهم الإنسان لا يستطيع أن يتصوره فكيف يستطيع أن يتصور الله، فالعقل الذي يعجز عن أن يتصور بعض المخلوقات كيف يستطيع أن يتصور الخالق فهو كما قال أئمة الهدى: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، قال ذلك الإمام أحمد بن حنبل والإمام ذو النون المصري والشافعي وغيرهم.